منذ 21 يومًا تقريبًا أعاني من عدم قدرتي على النوم إلا لساعات قليلة، ولا أدري ما السبب؟.
أقضي طول الليل وأنا صاحٍ، أتقلب يمينًا ويسارًا، بدون فائدة، لغاية الساعه 3 صباحًا، أصلي ركعتين، وأقرأ قرآنًا، وعنما أسمع صوت الأذان أذهب لأداء صلاة الفجر، وأرجع بعد طلوع الشمس، وأجلس مع أمي وأبي، وأفطر معهم، وأرجع لغرفتي، وأنام تقريبًا الساعه 8 صباحًا، لحد الساعه 11 ونصف صباحًا، وهذا فقط موعد نومي، ومررت بهذه الفترة بموقف صعب، قد يكون له تأثير، وهو فقدان صديق له مكانه عظيمة بقلبي، وآخر اتصال له لم أرد عليه، وكثيرًا ما أفكر بهذا الموضوع، هل سهري صحيح أم خطأ؟!.
مع العلم بأن النوم كان يغلبني ساعات، ولا أستطيع أن أنهض للصلاة، وكنت ألوم نفسي كثيرًا.
أحس أني أتعب من هذا الموضوع، ولكن ما أعرف ما الحل.
أخي الكريم: حياك الله (تعالى)، وأهلا وسهلا بك.
قال (تعالى): (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)
(الروم: 23).
اعلم – أخي الحبيب- أن الله (تعالى) خلق النهار للعمل، والليل للنوم، وفي النهار يصرِّف الجسم طاقاته، ليعوض في الليل ما صرفه منها، وعدم أخذ القسط الكافي من النوم يؤدي إلى ظهور أعراض تشبه أعراض الأرق التي عندك، ويسبب أمراضًا أخرى، منها: التعب – الصداع – الغثيان – احمرار العينين وانتفاخهما – التوتر العصبي – القلق – ضعف الذاكرة والتركيز – سرعة الغضب – الألم في العضلات.
وقلة النوم عندك يطلق عليه العلماء النوم المسهد؛ الذي يكون المرء فيه بين إغفاءة وانتباه، والمؤرَّق حركته دائبة لا يستقر، فهو يستدير نحو كل اتجاه، ويحتال على النوم بشتى الوسائل دون فائدة، وأحيانًا يكون الفكر منشغلًا بموضوع السهر إن كان أمام فيلم تليفزيوني، أو أمام الإنترنت، أو مسلسل، أو مباراة، فإن امتد الأرق ليلة وليالي انحطت قوى الشخص، وتوقف العقل عن الإنتاج، وسيطر على المؤرَّق التشاؤم والميل إلى الوحدة، وكره المجتمعات؛ فيكره نفسه ثم يكره الحياة، فالجسم يحتاج إلى نوم هادئ وطويل، يكفي لطرح السموم العصبية؛ التي تراكمت فيه نتيجة للأعمال الحيوية.
وأطمئنك بأن اضطرابات النوم من أكثر الاضطرابات شيوعًا عند معظم الناس، وأشكاله متعددة ايضًا، فنسبة كبيرة من الأشخاص يُعانون من اضطراباتٍ في النوم، بعضهم يعاني صعوبة الدخول في النوم (الأرق)، وبعضهم يعاني تقطع النوم، وآخرون يعانون النوم الخفيف؛ بحيث يستيقظ الشخص وهو يشعر بأنه لم ينم، وآخرون ينامون بضع ساعاتٍ، ثم يستيقظون في منتصف الليل، أو بداية الصباح، مثل الساعة الثالثة أو الرابعة فجرًا، ثم لا يستطيعون النوم مرةً أخرى.
وآخرون يشكون من كثرة النوم، فهم ينامون أكثر من 14ساعة في اليوم، ولديهم استعداد للنوم في أي وقتٍ، وفي أيّ مكان، سواءٌ أكان هذا المكان مُزعجًا أم هادئًا، حارًا أم باردًا، يضع الواحد منهم رأسه على مخدة أو على قطعة خشب، أو أي شيء، ثم يستغرق خلال لحظات في نومٍ عميق، رغم الصخب والضوضاء، إلا أنه يستغرق في النوم بصورة عميقة، وتحسبه قتيلًا لولا أنك تشاهد وتسمع صوت تنفسّه.
تتعدد أسباب السهر، ولعل أهونها وأيسرها علاجًا هي الأسباب الفسيولوجية، الناتجة عن خلل في إفراز هرمون الميلاتونين؛ الذي يؤثر تأثيرًا مباشرًا في عملية النوم، والذي يزداد إفرازه ليلًا، حسب الدراسات العلمية الحديثة؛ التي أشارت إلى ذلك، ولكنّ هناك بعدًا نفسيًا، وبعدًا اجتماعيًا، في خلفية الصورة، هو أجدر بالتناول.
فالسهر قد يكون هروبًا من مواجهة مشكلات حقيقية، تتحدانا في حياتنا الاجتماعية، أو الدراسية، أو الزوجية، أو العملية، ونترجم الهروب منها في السهر أمام شاشات التليفزيون أو النت أو غيره؛ حتى لا نفكر في مواجهتها كثيرًا، وقد يكون تعبيرًا عن اضطراب نفسي، كالاكتئاب والقلق، أو التوتر، يحتاج لعلاج نفسي، وقد يكون تعبيرًا عن العدوان والحرب والنصر والهزيمة.
وقد ذكرت – أخي الحبيب- في استشارتك أنك فارقت صديقًا عزيزًا على قلبك، وهذا سبب مهم لانشغال الفكر، وتهييج الذكريات، وبالتالي يُحدِث ألم الفراق ما يُحدِث في نفس المرء وعقله، وعليه يمكن لك قيادة فكرك نحو الواقع، وعدم السماح له للانجرار إلى الماضي والذكريات؛ خشية أن يسلب نومك، كما هو حاصل بالفعل، وخشية أن يدب الضعف إلى بدنك وصحتك، فيصيبك بالأمراض الناتجة عن الأرق، وهي كثيرة كما أسلفنا.
وإليك هذه النصائح؛ التي تمكنك من النوم مبكرًا:
– عدم القيام بأعمال شديدة الإجهاد، سواء من الناحية الذهنية أم البدنية قبل النوم.
– عدم تناول المنبهات من القهوة أو الشاي في الفترة المسائية، ويدخل ضمنها الإفراط في التدخين.
– تعويد الجسم على وقت معين وساعة معينة للخلود إلى النوم، وحتى وإن كانت البداية صعبة فلتظل في سريرك حتى يرزقك الله بنومة هادئة.
– القيام بممارسة رياضة خفيفة، كالمشي، في فترة ما بعد العصر وقبل الغروب.
– تهيئة المكان الهادئ المناسب للنوم، ويفضل أن يكون ثابتًا.
– تجنب الوجبات الثقيلة قبل النوم، ويفضل تناول كوب من اللبن الدافئ قبل النوم.
– أخذ حمام دافئ قبل الخلود للنوم.
– النوم على الشق الأيمن؛ فقد أثبت العلم الحديث أن هناك نشاطًا يحدث بين الكف الأيمن والجانب الأيمن من الدماغ، عند الالتقاء بينهما، فيؤدي إلى إحداث سلسلة من الذبذبات، يتم من خلالها تفريغ الدماغ من الشحنات الزائدة والضارة، مما يؤدي إلى الاسترخاء المناسب لنوم مثالي، فيمكنك سلوك هذه العادة الحسنة اقتداءً برسولنا الكريم؛ كى تنعم بنوم هادئ، ونوم بعيد عن القلق.
– عند الذهاب للفراش حاول أن تصرف ذهنك عن الأفكار التي تساعد على القلق والتوتر، وذلك بقراءة بعض الكتب السهلة قبل النوم، ويفضل أن تكون من النوع الممتع الشائق بالنسبة لك، وأفضل ما يمكن قراءته قبل النوم القرآن الكريم، وأذكار النوم، والأدعية المـأثورة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وسنته الصحيحة.
– الدعاء بأن يعينك على الله على النوم كما يعينك على الصحو؛ لأن العافية رزق من الله، يتم التنعم ببركته بالدعاء، واللجوء إلى المنعم (سبحانه)، في إتمام نعمته علينا