لديّ مشكلة أزلية، أني قليلة الثقة بنفسي، كثيرة الهيبة من توافه الأمور، أميل إلى آراء الناس من دون رأي، وإن ملكت الحجة، ليست لي بصمة خاصة في البيت.. العمل، أُصاب بالكسل والاكتئاب والانطواء، أحس أني لا أستطيع الخروج من دائرة الروتين الخانق هذا، وأنا أدرس بالتعليم، والآن وقد تقدم لي من يود خطبتي، وأنا في 26 سنة، أعرف أن الزواج مسئولية، لست متأكدة من أني أستطيع أداء واجباتي، لا أعرف ما سأقرره..
أختنا الكريمة صاحبة الاستشارة، حياك الله وبياك، ورزقك الخير في الدنيا والآخرة.
لقد قرأت استشارتك، ووجدت أنكِ افتتحتِها بشيء خطير، حيث وصفت مشكلتك بأنها أزلية، فهل هي قديمة منذ الطفولة، أم إن عارضًا وموقفًا ما سببها لكِ؟، وهل حاولتِ علاجها من قبلُ، عن طريق مختص، أم هذه أول محاولة جادة لاستشارة أهل الشأن فيها؟.
هذا التاريخ من الأهمية بمكان لمعرفة إذا ما كانت المشكلة فيكِ أو أنتِ المشكلة اصلًا، فلم أجد في سطورك – أختي الكريمة- ما يدل على مشكلة مخيفة، فكل ما يحصل لك يحصل لكل الناس، حتى صعف الثقة بالذات، وحتى الانطواء والاكتئاب.
إذًا أريد أن أقول: إنك طبيعية، ولكنك تبدين خائفة أكثر مما يجب، وقلقة أكثر مما يجب، وسوف أعطيك إضاءات تطمئنك؛ بحيث تعتمدين عليها، بعد عون الله (تعالى)، والدعاء بإخلاص، على إعانتك للتغلب على ما أنتِ عليه.
إن الله (سبحانه وتعالى) خلق الإنسان وفيه غريزة الخوف، فالخوف من حيوان مفترس، أو من نشوب حريق، يعتبر خوفًا طبيعيًا، يدفع الإنسان لحماية نفسه، كما أن الخوف والقلق بالقدر المعقول من الامتحان يدفع الطالب للاجتهاد والمذاكرة حتى يجتاز الامتحان، والخوف هنا من أمور تستحق الخوف، أي هو الخوف الذي يساعد على الإنجاز واستمرارية الحياة.
ولعل خوفكِ من الزواج، أو دخول عالم الشراكة العاطفية، يُعَد من قبيل الخوف الزائد، والقلق الذي يدفع بك إلى الوحدة والانزواء والعزلة.
حتى لا يصبح هذا مرضًا، وتزداد حالة الخوف والقلق هذه، وتؤدي بكِ إلى اكتئاب وانطواء مزمنين، فلا بد أن تضبطي الموقف بضابط العقل والحكمة والعلم السليم.
اقرئي وتثقفي، فالعلم قوة، والقوة في العلم، من يمتلك العلم هو من يستطيع السيطرة علي نفسه…. حاول أن تقرئي وتتثقفي في كل العلوم، فكلما قرأت وتثقف أحسستِ أنك إنسانة قوية ومطلعة، وهذا يعزز ثقتك بنفسك، ولا سيما أنك تعملين في التعليم، فهذا أوجب لك، وسيسهل عليك المهمة بإذن الله، وتذكري أن أول ما طلبه الله (سبحانه وتعالى) من رسوله (صلى الله عليه وسلم) هو القراءة؛ حينما قال الله (سبحانه وتعالى): (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق: 1).
ثم إن لكل إنسان قدرات ومهارات؛ فأرجو التركيز على قدراتك ومهاراتك، وهذه النقطة مهمة جدًا، ويجب إبرازها أمام الآخرين، والافتخار بذاتك لا يعني الغرور أبدًا، بل هو بداية النجاح، وفكري في كل ما يعجبك، ولا تنظري لانتقادات الآخرين.
أختي الكريمة:
إن ما ينقصك الشجاعة في صناعة الهدف، والمضيّ قدمًا في تحقيقه، كيف تكون لك بصمة خاصة في بيتك وأنتِ لم تسعَي لهدف سامٍ؟، يجعل الناس – وأهل بيتك أولًا- ينظرون إليك نظرة إعجاب وافتخار.
وكيف ستخرجين من الروتين القاتل وأنتِ كل يوم يمر أيامك دون تغيير، كالمسبحة حباتها تلو الأخرى، وتتساقط أيام عمرك من حائط الزمن ورقة بعد ورقة.
لم لا تقررين أن تتغيري أولًا، وتغيري ظرفك، بل جربي في تغيير وظيفتك إن لزم الأمر، ارمي بحجارة على بِركة حياتك، وحركي الماء فيها، جربي أن تكوني مختلفة، ولا تقبلي بالانزواء والاكتئاب والملل، أن يشق طريقه إلى حياتك، ويلتف حولك كما تلتف الأفعى على رقبة الحاوي.
غيري ضعفك إلى قوة… ونقصك إلى كمال، لتكوني شمسًا مشرقة بالحياة، ترسل بأشتعتها الإيجابية على الناس، في لفيف من الدفء والحرارة والنشاط، ويشار إليها بالبنان.
جربي أن تنهضي من سباتك، ولوني حياتك الرمادية بألوان قوس قُزَح، وذلك بعمل شيء مهم، كالتطوع في مجال الدعوة إلى الله، أو أي مجال آخر تحققين فيه ذاتك، كالرسم أو الكومبيوتر.
ولعل الزواج – أختي الكريمة- يكون مفتاحًا للسعادة، وإن كانت لديك عزيمة وإصرار على النجاح فجربي، وستنجحين بإذن الله، وستنجحين كزوجة أيضًا فيما بعدُ، وثقي أننا جميعًا مررنا بما ممرتِ به، حتى صاحب هذه السطور، ولكنا لم نقف وإنما تحركنا، حتى الماء الصافي العذب إن توقف عن الجريان، فسد، وفاحت رائحته.
لقد أعطاكِ الله ومنَّ عليك بكل شيء، فلا تبخلي على الحياة بشيء، يظل لك ذخرًا في الدنيا والآخرة، وإياك إياك أن تكوني مثل السيد العادي، جاء إلى الدنيا وعاش سبعين سنة ثم مات، ودفعت الدنيا ثمنه.