
أوهام الحب بين المراهقات
المحتويات
السؤال : الحب بين الجنسين !
نبدأ الكلام بحمد الرحمن، والصلاة والسلام على خير الأنام، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، أما بعد؛
فإني سأعرض على حضراتكم قضية أصبحت شائعة بين البنين والبنات؛ حسب ملاحظاتي، وتجربة من حولي؛ فأنا طالبة بالمرحلة الثانوية، بحمد الله متفوقة في دراستي، وأقول من خلال احتكاكي بأخواتي البنات، في الصف، وفي العائلة: إن قضية الحب بين الجنسين أصبحت هي هدف كل ولد وكل بنت، وهما نائمان، وفي الأكل، وفي الدراسة، وإن هدف كل ولد كيف يجعل البنات تُعجَب به، والعكس، أصبحت هذه القضية – حسب رأيي- هي المرض الذي ينتشر بين الأجيال، لا بد أن نستأصل هذا المرض من جذوره.
وأما التجربة فهي تجربة بنت من إحدى بنات أقاربي، هي أكبر مني بعام فقط، ولأننا متقاربتان في السن فهي تحكي لي عما بداخلها؛ فهي مرات عديدة حكت لي عن قصص حب عديدة، وأنا دائمًا كنت أنصحها، وأن الدرجة وصلت أن معلمها في الفصل كان يعاكسها، وهو كان متخرجًا حديثًا؛ فبالله عليكم، ها نحن نرى المدرس؛ الذي من المفترض أن يعالج المشاكل، هو بنفسه الذي يصنع المشاكل، وأن المفترض أن البنات والبنين في هذه الفترة يلاقون شخصية مثقفة واعية، تكون بجانبهم، وتحميهم من الأخطار؛ لأن الشخصية تُبنى في هذه الفترة، وأنها دائما تقول لي: إن الحب غريزة، الله وضعها بقلبنا، وإن الحب لو كان حرامًا ما كان وضعه الله بقلبنا.
لكن أنا من رأيي أن سبب هذه المشكلة الأفلام والمسلسلات الهابطة، وهي هدف استعماري، وضعه عدو الإسلام؛ لتخريب الأجيال القادمة، فهم يحاربون الفكر لأننا انتصرنا في الحروب الجسمانية، فبدلا من أن الجيل يفرغ طاقاته في الطاعة والعلم والثقافة والإصلاح والإبداع، يفرغها في الحب والكلام الفارغ، فأعداؤنا كما نقول: (يدسون السم في العسل)؛ فيجب علينا أن نأخذ حذرنا، فأرجو نشر رأيي؛ لأني فتاة في عمر 15 كما يزعمون سن المراهقة، وأعتذر عن شجاعتي في الحوار، أنا من مصر، أريد أن أعرف كيف أقنع قريبتي؛ فأنا تعبت من كثرة إقناعها، فأنا – بحمد الله- حافظة لكتاب الله كاملا، وأقدم لها الأدلة والبراهين، لكن لا تنجح محاولاتي معها
الإجابة:
ابنتي العزيزة، مرحبًا بك، ونشكرك على هذه الكلمات الطيبة، ونحيي فيك هذه الروح وهذا الوعي، النادر وجودهما في بنات جيلك، ونسأل الله (عز وجل) أن يتم عليك نعمته، ويبارك لك، ويزيدك من فضله، وبعد ..
فلا شك – يا ابنتي- أن الظاهرة التي أشرتِ إليها، من تعلق الفتيان بالفتيات والعكس، وحرص كل من الجنسين على إقامة علاقة مع الآخر، وسيطرة هذا التفكير عليهما؛ بحيث يشغل مساحة كبيرة من حياتهما، قد تطغى على جوانب أخرى أهم- لا شك أنها مستفحلة بين شبابنا لحد مزعج، وأسباب ذلك كثيرة، منها ما ذكرت في رسالتك، إلى جانب أسباب أخرى كثيرة، كتراجع قيمة الدين والخلق في حياتنا، وضعف التربية أو انعدامها أحيانًا، وسيطرة الماديات والشهوات على تفكير الكثير من البشر، والوهن الذي يدب في أوصال أبناء هذه الأمة، فيذهب بهمم أبنائها واهتماماتهم إلى الحضيض.
إلا أننا حتى نكون من أهل الاعتدال والوسطية؛ اللذين هما سمت ديننا الحنيف وعنوانه، أجدني مختلفًا معك في تسميتك للظاهرة بـ “الحب بين الجنسين”، فالحب بريء من هذه الممارسات الضالة والمنحرفة؛ التي تمارس باسمه، والحب بين الجنسين في ذاته، أو الميل العاطفي نحو الجنس الآخر، هو ترجمة وتعبير عن الفطرة؛ التي وضعها الله (عز وجل) في نفوس بني البشر جميعهم، مؤمنهم وكافرهم، صالحهم وطالحهم، والإسلام لا ينكر هذه المشاعر، ولا يجرِّمها، ولا يكبتها، ولكنه ينظِّمها ويوجهها توجيهًا عفيفًا طاهرًا، يحفظ طهارة القلوب والأرواح، والأجساد والأنساب.
لا بد – يا ابنتي- أن نقرر في نفوسنا، وفي نفوس إخواننا وأخواتنا، وأبنائنا وبناتنا، أن الإسلام هو دين الوسط في كل الأمور، وأن أحكامه وتقديراته ليست ولا ينبغي أن تكون ردود أفعالٍ للغير، فلا ينبغي أن يدعونا الانحلال الزائد عن الحد، والاختلاط غير المنضبط، إلى الانعزالية المفرطة، والتجاهل التام لوجود الجنس الآخر.
إن المشكلة الحقيقية هي في الفهم والسلوك، لا في وجود الجنسين والميل العاطفي بينهما، تلك الفطرة التي وضعها الله (عز وجل) في نفوس البشر ليحفظ بقاءهم، وليكون كل من الجنسين سكنًا للآخر، وعونًا له على أداء مهمته في هذه الحياة.
وبالنسبة لقريبتك وما تفعله وما تحكيه، فهي تعيش كما قلتِ سنوات المراهقة، وتلك سنوات لا شك أن من ينجو من عثراتها ومشكلاتها قليل؛ لذا جعل الله (عز وجل) الشاب الناشئ في طاعته (سبحانه وتعالى) من السبعة الذين يظلهم بظله، يوم لا ظل إلا ظله، فاسألي الله العفو والعافية، واحمدي الله (عز وجل) على هداه وحفظه لك.
وما أنصحك للقيام به مع صديقتك الآتي:
1- إخلاص نيتك، واحتساب الأجر عند الله (عز وجل).
2- محاولة التودد والتقرب إليها، واكتساب ثقتها، وإيَّاكِ أن تعنفيها أو تهاجميها، فالهجوم على هذه العاطفة وإنكارها على صاحبها يجعله يزداد تمسكًا بها، وتضعف قدرته على مراجعة نفسه، والسير في طريق التخلص منها.
3- اجلسي معها جلسة هادئة، وحدثيها عن طبيعة المرحلة التي تعيشها، ويمكنك أن تهديها بعض الكتب التي تتحدث عن هذا الأمر، وبيِّني لها أن العاطفة تجاه الجنس الآخر في هذه المرحلة تكون متقلبة وغير مستقرة، وهي بالتالي ليست صادقة ولا حقيقية، ولا ينبغي أن نبني عليها تصرفات أو أفعالا تؤثر على مستقبلنا، بل يجب الحذر منها ومقاومتها؛ حتى لا توِّدي بنا إلى الهلاك والخسران، في الدنيا والآخرة.
وأعلميها أنها ربما لا تكون آثمة ولا مؤاخَذة عن الشعور وتحرُك القلب، فقد يكون هذا رغم إرادتها، ولكنها بالتأكيد مؤاخَذة ومحاسَبة على الأسباب والدواعي التي قد تكون أدت بها إلى ذلك، من نظرةٍ محرمة، أو حديث غير منضبط، أو غير ذلك، وما يستتبع ذلك من مقدمات للفواحش، أو فواحش قد تقع فيها، والعياذ بالله.
4- الفتي نظرها إلى واجب الوقت المفروض عليها الآن، وهو الاجتهاد في تحصيل العلم، والتفوق في دراستها، وبناء نفسها علميًّا ودينيًّا وأخلاقيًّا، وهو الأمر الذي يجب أن يحوز جل اهتمامها وفكرها، فهو الأساس الذي سيقوم عليه مستقبلها، ويشكل شخصيتها، ويرسم ملامح قيمتها – المعنوية والأدبية- في عيون من حولها.
5- دوام الدعاء والابتهال إلى الله (عز وجل) أن يرفع عنها ما هي فيه، وأن يربط على قلبها، وأن يرزقها العزيمة والصبر.
6- ملازمة المصحف دائمًا، وكثرة القراءة فيه، وانصحيها أن تفتحه في أي مكان، وفي أي وقت تتاح فيه القراءة.
7- ذكريها بأن المشاعر السلبية والمؤلمة التي قد تشعر بها جراء مقاومة هذه العلاقات أخف كثيرًا كثيرًا، بل لا تقارن بعذاب الآخرة ونار جهنم، التي يمكن أن تلاقيها لو تمادت فيها، والعياذ بالله.
8- ذكِّريها دائمًا أن من ترك شيئًا لله، عوَّضه الله (عز وجل) عنه، ما هو خير له في دينه ودنياه، وأنها إن حفظت شبابها وأخلاقها ودينها فسيرزقها الله الزوج الصالح؛ الذي يسعدها، وتقر به عينها.
9- ذكِّريها بما أعده الله (عز وجل) في الجنة، من نِعَم ومُتَع لعباده الصابرين، المجاهدين لأنفسهم.
10- حاولي على قدر استطاعتك أن تلازميها دائمًا وتتابعيها، وشدي من أزرها، وقوِّي عزيمتها، وتعقَّبي خطواتها على طريق العلاج، وسارعي أولا بأول بإقالة عثرتها، وتسديد خطاها.
11- اعملي على إحاطتها دائمًا بالرفقة الصالحة، والصديقات المخلصات، وأشغلن أوقاتها في الخير والصلاح، بحيث لا تتركن فرصةً للشيطان لينفرد بها.
12- اطلبي من أخواتك ومن الصالحين الدعاء لها، مع حفظ أسرارها، وعدم فضحها وتشويه صورتها.
13- ساعديها على تجديد نمط حياتها، والابتعاد عن العادات السيئة التي قد تكون ألفتها، كمشاهدة الأفلام والمسلسلات الهابطة، أو قراءة الروايات التي تثير الغرائز، اخرجا سويًّا للتنزُّه في الأماكن الطبيعية المفتوحة، والفتي نظرها للأشياء الجميلة في الكون، لزرقة المياه، لصفاء السماء، لابتسامة طفل صغير، شجعيها على مخالطة المساكين، ومعاونتهم، ومشاركتهم آلامهم والتخفيف عنهم، وجِّهي اهتمامها لمتابعة أخبار المسلمين في شتى البلاد، وشاركيها في ممارسة بعض الهوايات المفيدة، كقراءة الكتب النافعة، وممارسة الألعاب الذهنية أو الرياضية المناسبة.
وأولاً وأخيرًا يا ابنتي، لا تنسي الاستعانة بالله (عز وجل)، والدعاء لنا ولك بالثبات على الطاعة والهداية، والتوفيق لما فيه الخير والصواب، وفقك الله، وأعانك، وتقبل منا ومنك صالح العمل، وتابعينا بأخبارك