
التفكير فى الماضى
المحتويات
التفكير فى الماضى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أعزائي الكرام.. أنا فتاة أبلغ من العمر 15 عاما، أرجو مساعدتي على حل مشكلتي التي باتت تؤرقني كثيرا ولا أجد لها حلا .
أما مشكلتي فهي تفكيري الدائم والمستمر في الماضي وما يحمله من أخطاء، لدرجة أنني أحزن على ما فات.
وأيضا إحساسي بعدم تقبل الآخرين لي رغم أن الكثير ممن حولي يقولون إن مشكلتي هي العصبية الزائدة، أما أنا فأرى أنني سيئة الخلق وأحاول دائما الابتعاد عن تلك الصفات السيئة، ولكنني دائما أفشل في ذلك.
لقد أصبحت أخشى المستقبل، وأخشى من نظرة الآخرين لي كفتاة، مما أدى إلى تراجع مستواي الدراسي وإحساسي الدائم بالقلق.
أرجو منكم مساعدتي على حل مشكلتي ولكم جزيل الشكر.
الإجابة
عندما قرأت كلمة “تفكيري الدائم في الماضي” تصورت أنني قد أخطأت في قراءة بياناتك الشخصية، وأنك في الثلاثين من عمرك، ولكنني راجعت السطور الأولى فتأكدت أنك في الخامسة عشرة من عمرك!! إن هذا “الماضي” لم يبدأ بعد!!
ليس معنى كلامي أنني أدعوك للرضا عن أخطائك السابقة، أو تجاهلها، بل على العكس، فإن هذا “اللوم الذاتي” هو القوة التي ستدفعك للأمام، وتساعدك على تطوير شخصيتك، وتلك هي “النفس اللوامة” التي أقسم الله تعالى بها في قرآنه العزيز.
اللوم ملامح صحية
وهذا “اللوم” من الملامح الصحية في فترة المراهقة التي تمرين بها، وهي فترة الصعود من الطفولة إلى الرشد حيث يفتح كتاب الأعمال، والثواب، والعقاب، والحسنات والسيئات.
وكأني أريد أن أقول إنك في “بداية” حياتك، وفي الخطوات الأولى لبناء شخصيتك، وتحمل مسئولياتك، وإن اللوم هنا مطلوب من أجل المحاسبة والتطوير والنمو.
ولكن هذا “اللوم” الذي يبني شخصيتك، هو نفسه من الممكن أن يهدمها، إن لم تتوافر فيه الشروط الإيجابية البناءة، أحدثك عنها الآن:
1ـ لا يمكن أن تضعي أخطاءك أمامك، وتحاولي تغييرها دفعة واحدة، وإنما ركزي كل فترة على خطأ واحد واجتهدي في إصلاحه.
2ـ عندما تحاولين تهذيب نفسك في سلوك معين عليك أن تلجئي لوسائل متعددة، فإن لم تفلح هذه، تفلح تلك، فمثلا: العصبية، هناك وسائل كثيرة تساعدك على تجنبها، مثل:
– الصمت تمامًا لحظة الغضب، وتغيير المكان، والتوضؤ، والاستغفار، والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
– التفكير العميق بعد مرور لحظات الثورة، التفكير بشكل إيجابي في رد الفعل المناسب بهدوء وحكمة، ثم التسامح والتسامي فوق الأحقاد، والأطماع، والغل.
– التقرب إلى الله، والاستعانة به، وتذكر الثواب العظيم لهؤلاء “الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس”.
– الثقة في النفس وحسن الظن بها، وبقدرتك على التحكم في أعصابك بالتدريج والتدريب والتعود.
3ـ لا تجلدي نفسك، وإنما تقبلي منها كل تحسن مهما كان بسيطًا، وتجاوزي الفشل مهما كان متكررًا مادام أنك في كل مرة تعودين من جديد للمحاولة بإصرار أكبر وصدق أعمق، فلا يوجد بشر بلا أخطاء، ولكن “خير الخطائين التوابون”.
فالضعف البشري سيطاردنا ما حيينا، ولكننا نقاومه بالإصرار والإرادة ما حيينا أيضًا.
4ـ لا تقولي “أنا سيئة الخلق”، وإنما حددي ما هي الأخلاق السيئة التي ترفضينها، ستجدين مثلا ثلاث صفات، وعندئذ واجهي كل واحدة تلو الأخرى، ولا تتهمي نفسك اتهامات عامة مطلقة؛ لأن هذا النوع من الاتهام لا ينتج عنه إلا الهدم والتحطيم.
5ـ لا مانع من الاهتمام بكلام الناس، فهم قد يكونون مرآة لك في كثير من الأحيان، كما أن الإحسان إليهم واجب ديني وإنساني وأخلاقي.
ولكن لا ينبغي الاندفاع وراء إرضائهم بشكل مبالغ فيه؛ لأنهم قد يكلفونك ما لا تطيقين، وقد ينتقدونك انتقادًا محبطًا لا مشجعًا، لذلك فأنت “صمام الأمن” لنفسك، تسمعين الانتقادات بكل صدق، وتهذبينها ثم تطبقين البرنامج المشجع المناسب لك حسب أولوياتك.
6ـ كما تتذكرين سلبياتك، تذكري أيضًا إيجابياتك، ليس من باب الغرور والفخر، وإنما حتى تعرفي أنك لست شرًا كلك، وإنما فيك من الخير الكثير.
وأخيرًا.. أختم بما بدأت به:
الآن تبدأ حياتك، وكلما تعودت على “اللوم الإيجابي” من الآن استمر التحسن في سلوكك وأخلاقك في مستقبلك بإذن الله.
ولا تنسي الاستعاذة بالله، والتقرب إليه بالطاعات، والأعمال الصالحة، حتى يحبك، فإذا أحبك أحبتك الملائكة، ونادى جبريل في الأرض إن الله يحب “فلانة”، فيوضع لك القبول في الأرض.
1 thought on “النفس اللوامة .. بناءة أم هدامة؟”